قديسات أهل تيمسورت.. وليات صالحات يقدسهن الرجال والنساء

 

:تقديم

 

يخبرنا المؤرخ العلامة ابن قنفذ القسنطيني الذي عاصر الدولة المرينية أن"أرض المغرب الأقصى تنبت الأولياء كما تنبت الكلأ" [1]، وربما لهذا السبب نجد من يقول: "إذا كان المشرق بلد الأنبياء، فإن المغرب هو بلد الأولياء". وقريباً من عبارة ابن قنفذ نجد الصوفي "إيبورك بن الحسين الإيلالني" الذي عاصر الدولة السعدية يقول: إن "أرض جزولة وأرض دكالة تنبتان الأولياء كما تنبت الأرض البقول" [2].. ولما كانت قرية تيمسورت تنتمي إلى مجال "أرض جزولة" التاريخي، كان حريا بنا أن نفهم سبب احتضانها لكثير من مراقد وأضرحة الأولياء والصلحاء. لكن الذي يهمنا في هذا المقال ليس هو الحديث عن الأولياء الذكور، بل عن الوليات الإناث. أولئك النسوة اللواتي رفعهن أهل تيمسورت على مرتبة القديسات، فصاروا يبجلونهن ويقدسونهن.

 

القداسة بصيغة التأنيث: الأصل والتفسير

الملاحظ أن سكان تيمسورت لا يقصرون القداسة على الذكور دون الإناث، بل نجدهم يقدسون الإناث أيضا، ويرفعونهن إلى مرتبة القديسات والوليات اللائي يتبركون بهن وبأضرحتهن (مثال: إِيسْدْ لالا تيمَاسِّينِينْ/ لالا جْبارا/ لالا تحوضيكت..). قد يبدو الأمر بالنسبة للبعض - من المتأثرين بالتصور الديني المشرقي - أمراً غريبا بعض الشيء. غير أن وجه الغرابة سرعان ما سيزول إذا ما علمنا أن أهل تيمسورت يدينون بالإسلام الصوفي وليس بالإسلام الفقهي. ومعلوم أن المتصوفة (على خلاف الفقهاء) يقدسون المرأة ويبجلونها ويرفعونها مكانا عليا. فها هو ذا الإمام الصوفي الكبير " محيي الدين ابن عربي" يقول في إمامة المرأة "من الناس من أجاز إمامة المرأة على الإطلاق بالرجال والنساء (يقصد الصوفية) وبه أقول (أي أنه يتبنى هذا الموقف)، ومنهم من منع إمامتها على الإطلاق، ومنهم من أجاز إمامتها بالنساء دون الرجال (يقصد الفقهاء)" (3)، بل هو القائل "المكان إذا لم يُؤنَّث لا يُعوَّل عليه" (4). هكذا إذن نجد المتصوفة يضربون عرض الحائط بالمقولة الفقهية التي تقول إن "النساء ناقصات عقل ودين" (وهي من الأحاديث التي قال بصحتها الفقهاء). كما أن تقديس أهل تيمسورت قد يجد تفسيرا له في مخلفات النزعة الأمومية التي كان يعرف بها الأمازيغ قبل دخول الإسلام (حيث يكون مركز المجتمع هو المرأة، وذلك أمر ما نزال نلمسه في مصطلحات القرابة: أخي: كو ما، أختي: أولت ما، فالشخص هنا ينسب إلى أمه لا على أبيه)، وهو ما سيتعزز لدينا إذا ما علمنا أن التركيبة السكانية لمنطقة جزولة التي تنتمي إليها تيمسورت يغلب عليها العنصر الصنهاجي المرابطي الذي كانت المرأة لديهم شبه مقدسة.

 

ومن بين النساء الوليات التي يتبرك بهن أهل تيمسورت  نذكر

: إِيسْدْ لالا تيمَاسِّينِينْ - 

في المنطقة المعروفة بتسمية "تانُوضْفِي نْ إِيزِّينْ" شرق طريق "تَابْغْلِيتْ" الرابطة بين تيمسورت وايت ارخا في قرية "تيفْرْوِينْ"، والمتواجدة على الهضبة المطلة على تيمسورت شمالا، يتواجد ضريح به ثلاثة قبور كان أهل القرية حريصين فيما مضى أن يقيموا عليها موسم "المعروف"، كما كانوا يتبركون بها [لكن الأمر بدأ يتراجع خلال الفترة الأخيرة]. لكن المميز في هذا الضريح المقدس أنه يعود إلى وليات [إناث] وليس إلى أولياء ذكور. لا نملك تفسيرا دقيقا لاسم هؤلاء الوليات [ تيمَاسِّينِينْ ]، وذلك بسبب تشديد حرف السين في الرواية الشفوية مع كسره. فلو قيل لنا "تيمَاسَّانِينْ" [بتشديد السين وفتحه] لكان معناه [العالمات] لأنه جمع لمفرد هو [تامَاسَّانْتْ = العالمة]. أما لو قيل لنا [تيمَاسِينِينْ] بكسر السين دون تشديده لكانت التشمية ذات دلالة جيومورفولوجية هو [الأراضي المنخفضة بين هضبتين] وكلا الدلالتين يصح بالنسبة للضريح، فقد يكن عالمات وليات [تيمَاسَّانِينْ] وقد يكون سبب التسمية هو وجود الضريح في منبسط بين هضبات [تيمَاسِينِينْ].

: لالا تاحوضيكت - 

تعتبر لالا تاحوضيكت من بين الأضرحة التي يتبرك بها أهل القرية ويجلونها، فهي تتواجد جنوب تيمسورت سفح الهضبة المسماة "تُورِيرْتْ نْ تْكُمِّي أُومازيغْ"، على يمين الطريق الرئيسية التي تربط بين القرية وبويزكان. غير أننا لا نملك أي معلومات عن هذه القديسة، باستثناء ارتباط اسمها باسم قرية "إيحوضيكن". في بحثنا عن معنى تسمية "أحوضيك، مؤنثه تاحوضيكت، وجمعه إيحوضيكن" لم نجد سوى ما أخبرنا به عبد الرحمن الجشتمي في كتابه المسمى "الحضيكيون". فقد أخبرنا أن المختار السوسي في "المعسول/ الجزء 11" يزعم أن الحضيكيين يرفعون نسبهم إلى علي بن أبي طالب، ومعلوم أن الانتساب إلى السلالة النبوية كان أمرا شائعا بين الناس لغاية تحقيق الحضوة الاجتماعية والسياسية وإن كانوا أمازيغا أحرارا.

 

وعن معنى التسمية يقول الجشتمي "لم يعرج أحد ممن ترجموا له (أي للعالم الحضيكي المعروف) على أصل هذا اللقب أو معناه"، لكنه يضيف رواية شفوية لأحد أحفاده (أحمد الحضيكي الأخصاصي) يقول فيها "أن جد الشيخ الحضيكي الثاني عشر (عمران) جاء إلى سوس من منطقة الحوض بشنقيط (موريتانيا الآن)، ونزل في" إغرم أوحوضيك" (منطقة إيداوسملال)... وكان الناس يقولون إذا تحدثوا عنه يقولون: أولحوض أيكا (أي هو من الحوض)، وتداول الناس هذا النسب الأمازيغي، وحوروه مع كثرة الاستعمال إلى أحوضيك، ثم عربه العلماء والموثقون من بعد فقالوا: الحضيكي" (4). ليس مستبعدا أن يكون اصل الحضيكيين من شنقيط، لأن منطقة جزولة التي تتواجد بها تيمسورت تقطنها قبيلة لمطة الصنهاجية المرابطية، لكن أغلب الظن أن تلك التاويلات التي قدمها الجشتمي لا تتاسس على أساس متين. (جدير بالذكر أن دواويرا كثيرة في المغرب تسمى باسم "إيحوضيكن"، مثل دوار بجماعة تلمي قيادة امسمرير اقليم تنغير، ودوارا آخر بنفس الاسم بجماعة سيدي عبلا وبلعيد آيت رخا تابع لمشيخة إيدوارحمان، ودوارا آخر بقبيلة لخصاص، كما أن فخذة من فخذات دوار أنامر بقبيلة اصبويا تحمل اسم أهل أحوضيك..)

 :لالا جْبَارَا - 

كما أن بعض سكان تيمسورت يملكون قرية تيفروين، فإن بعضهم يملك قرية "إنفلاس" أيضا. وبهذه القرية يتواجد ضريح "لالا جْبارا" الذي يتبرك به سكان القرية خلال انتهائهم من موسم الحصاد، ويتواجد الضريح وسط غابة العرعار غير بعيد عن قرية "إيد كُوجِّيم". لكن الرواية الشفوية لا تفيدنا في سبب التسمية ولا في ترجمة صاحبة هذا الضريح.

:على سبيل الختم

الملاحظ أن أغلب أضرحة هؤلاء الوليات (كما هو الشأن بالنسبة للأولياء الذكور أيضا) قد طالها الخراب من فرط الإهمال. الحق أنها قد فقدت السلطة التي كانت تتمتع بها من ذي قبل، بل فقدت قداستها أيضا بفقدانها أولئك الأشخاص الذين كانوا يقدسونها، بسبب الهجرات المتتالية. فالأولياء مقدسون حين يجدون من يقدسهم

:المراجع

 
1 - ابن قنفذ القسنطيني: أنس الفقير وعز الحقير، تحقيق: محمد الفاسي وأدولف فور، المركز الجامعي للبحث العلمي، جامعة محمد الخامس، الرباط، 1965، [ص 63]
 
2 -  أبو زيد عبد الرحمن التمنارتي: الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة، تحقيق: اليزيد الرضي، تقديم: محمد المنوني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2007 [ص 182]
 
3 - محيي الدين ابن عربي: الفتوحات المكية، الجزء 2، تحقيق: احمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2011، ص 103
 
4- محيي الدين ابن عربي: الرسائل، رسالة الذي لا يعول عليه، حاشية: محمد النميري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبعة لونان، 2010، 198
 
5 - أبو زيد عبد الرحمن الجشتمي: الحضيكيون، تحقيق ونشر: المجلس العلمي المحلي تارودانت، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2010
Read more

Our services

Sightseeing Tour

Sightseeing Tour

A guided tour of local attractions, landmarks, and points of interest.
Private Tour

Private Tour

A customized tour tailored to the individual needs and interests of the client.
Village Tour

Village Tour

A guided tour of the village, visiting its most important and interesting sites and attractions.

TAWERDA cave

يمثل إفري ن "تْوْرْضَا" أو مغارة "تْوْرْضَا" واحدة من بين أهم المغارات الجديرة بالزيارة بقرية تيمسورت، وتتواجد بين فجّيْ "أَگْنِي" الواقع شمال القرية، وربما هي الأكبر منهم عمقا، كما تتميز هذه المغارة بتواجدها تحت جبل صخري كبير يطلق عليه محليا "دُّو تْوْرْضَا" ومنه سُمّيت المغارة بهذا الاسم.

TAWERDA cave is one of the most important caves worth visiting in the village of Timsourt. It is located between the "Agwni" valleys, north of the village, perhaps it’s one of the largest of them in depth. 
This cave is also distinguished by its presence under a large rocky mountain called "Du TWERDA".

Contact us

Fill out the form below and we'll get back to you as soon as possible!

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply.

About us

oursHello!
I'm Moe, and I am a member of Timsourtours, a tour guide business in Timsourt, Guelmim-Oued Noun. We are proud to offer a variety of tours for visitors and locals alike to explore our beautiful village. Our tours cover a wide range of topics, from the history and culture of Timsourt village and it's region to the unique wildlife and ecosystems of the region. With Timsourtours, you can explore the area on foot, or even by donkey rides! I'm passionate about sharing the stories and experiences of Timsourt with others, and I make sure each tour is a unique and memorable experience. We strive to provide an engaging and interactive experience, and we always happy to answer questions and make sure everyone is having a good time. So come on out and join us for a tour of Timsourt Village and it's region – you won't regret it!